الديمقراطية في العالم العربي- فرص جديدة في مواجهة الاستبداد

المؤلف: د. منصف المرزوقي11.19.2025
الديمقراطية في العالم العربي- فرص جديدة في مواجهة الاستبداد

في أعقاب النكسة التي ألمت بانتفاضات الربيع العربي، وتفاقم التحديات التي تواجه الديمقراطية حتى في معاقلها التاريخية، يثور التساؤل: ما الذي يدعونا إلى التشبث بالأمل في مستقبل الديمقراطية في بلداننا؟

يكمن الجواب في سنة التاريخ الثابتة؛ فإخفاق الديمقراطية يفسح المجال لعودة الاستبداد، بينما يمهد فشل الاستبداد الطريق لعودة الديمقراطية من جديد.

في ظل المأزق الراهن للثورات المضادة وهيمنة الاستبداد في أرجاء العالم العربي، من نافلة القول التأكيد على أن الديمقراطية لا تزال تمتلك فرصًا سانحة.

ويبقى السؤال الجوهري: كيف لنا أن نقنع الأجيال الشابة، المعرضة لمغريات أيديولوجية شتى، باعتناق الخيار الديمقراطي؟ والأهم من ذلك، كيف نحفزهم على استيعاب هذا الحل وتطويره، مستفيدين من أخطائنا وأخطاء الآخرين؟

وسعياً لفهم أعمق للديمقراطية، والمخاطر المحدقة بها، والتدابير اللازمة لصونها وتعزيزها، سأعرض قناعاتي التي استقيتها من تجربتي السياسية الممتدة لنصف قرن، وذلك في صيغة ثلاثيات موجزة.

إن الحكومات الغربية، الوريثة للدول الاستعمارية القديمة، لا تطمح في رؤية الديمقراطية تزدهر في بلداننا؛ لعلمها بأنها منبع قوة، وأنها ستأتي بقوى وطنية مستقلة عنها سواء كانت إسلامية أو علمانية، ومن ثم فإن سياستها ما زالت وستبقى دعم الدكتاتوريات التي تخدم مصالحها الضيقة.

الأسباب الثلاثة الجوهرية للتمسك بالديمقراطية

لم يزعم أحد قط أن الديمقراطية هي الحل العصري والكامل لكل معضلات المجتمع، لكنها، قياسًا ببديلها الاستبدادي المقيت، تقدم الحلول الأقل وطأة والأقل كلفة لكل مجتمع، وذلك لثلاثة اعتبارات رئيسية.

أولًا: التحصين من خطر الحكم الفردي الكارثي

لا يوجد ما هو أشد خطورة وأكثر حماقة من أن يترك مصير شعب بأكمله رهن إرادة فرد واحد، قد يكون أحمق أو معتوها أو فاقدًا للكفاءة، أو يتخذ قرارات طائشة دون حسيب أو رقيب. خير مثال على ذلك، المعاناة التي تجرعها الشعب الليبي تحت حكم القذافي، أو ما يعانيه الشعب السوري اليوم من ويلات، والأمثلة على ذلك لا تحصى. بالنسبة لنا نحن العرب، هناك فائدة إضافية تتمثل في إمكانية قيام اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي؛ لأن ما لم يستوعبه القوميون هو أنه لا يمكن تحقيق الوحدة في ظل الحكم الفردي، فكل دكتاتور لا يرى في بلاده إلا ملكية خاصة لا يمكن التفريط فيها، إلا إذا عُيّن هو على بقية الممالك الأخرى.

ثانيًا: صون الاستقرار الحقيقي والأمن الداخلي المستدام

إن جميع المجتمعات تتوق إلى الأمن والاستقرار. والديمقراطية وحدها قادرة على توفير أرقى أشكاله؛ فبخلاف الاستقرار الزائف الذي يفرضه الاستبداد عبر إرهاب الدولة وإنكار الأسباب الجذرية للعنف، تعالج الديمقراطية العنف المجتمعي بأسلوب حكيم، إذ تسمح بالتعبير عن الاحتقان، وتنظيم انتخابات دورية تنفس عن التوترات الكامنة في المجتمع، خاصة عندما تتيح التداول السلمي للسلطة، وهو الإجراء الوحيد الذي يمنع اندلاع الحروب الأهلية ويضمن استقرارًا حقيقيًا لا زيف فيه.

ثالثًا: الحفاظ على الكرامة الجماعية والفردية وتعزيزها

ما قيمة الحياة لشعب يعيش في كنف الخوف والذل، ويغمض عينيه عن الظلم والقمع، ويسمح لأقلية فاسدة بالاستئثار بالثروة والسلطة والوجاهة، حتى لو حصل على فتات من الكعكة كرشوة مقابل التخلي عن كرامته؟ أي قيم مجتمعية يمكن أن تسود في شعب مسلوب الكرامة، محتل من قبل دولته، يُساق كقطيع من الأنعام؟

الأفكار الخاطئة الثلاث التي يجب التخلص منها جذريًا

أولًا: زعم سقوط الديمقراطية كنتيجة لازدواجية المعايير الغربية

إن القول بالسقوط الأخلاقي والمعنوي للديمقراطية بسبب انزلاق الأنظمة الغربية في سياسات غير أخلاقية، مثل دعم الدكتاتوريات العربية ومن قبل دكتاتوريات أميركا الجنوبية، واليوم التستر على جريمة الإبادة الجماعية في فلسطين، أو التذرع بالإسلام لتبرير سلوك داعش، هو قول يفتقر إلى المنطق. انتقدوا من ينتهك القيم، ولا تنتقدوا القيم لوجود منتهكين لها.

ثانيًا: الادعاء بأن الديمقراطية حكر على الثقافة الغربية

لقد بات معلومًا أن النظم المجالسية (التي تشكل الديمقراطية الغربية تاريخيًا أحدث نسخها وأكثرها تعقيدًا) كانت موجودة عبر التاريخ وجربتها مدن العراق القديم قبل ثلاثة آلاف سنة من أثينا. أضف إلى ذلك أن أعتى الدكتاتوريات التي عرفها العالم في القرنين الماضيين كانت أوروبية: (ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، اليونان). ولا تنسَ أن نضال الشعوب الأوروبية من أجل الديمقراطية لم يتوقف يومًا، مما يدحض فكرة وجود أرضية ثقافية أو حتى جينات ديمقراطية حصرية، وأن هذا النظام مهدد بشكل جدي بصعود اليمين المتطرف. فلا تستغرب أن ترى يومًا بلدانًا أوروبية عريقة في الديمقراطية تتحول إلى نظم استبدادية عربية أو أفريقية.

ثالثًا: اعتبار الديمقراطية غطاءً لغزو ثقافي وسياسي غربي

هذا الرأي يعبر عن قائليه بنظرية أن الربيع العربي هو في الواقع ربيع عبري صدرته المخابرات الغربية، وكلما واجهني أحدهم بهذا الرأي أنفجر ضاحكًا. فالحقيقة هي عكس ذلك تمامًا. الحكومات الغربية للدول الاستعمارية القديمة لا تريد لنا الديمقراطية؛ لمعرفتها أنها مصدر قوة، وأنها ستأتي للحكم بقوى وطنية مستقلة عنها سواء كانت إسلامية أو علمانية، ومن ثم فإن سياستها كانت وستبقى دعم الدكتاتوريات التي تخدم مصالحها. لذلك قلت ورددت دومًا أن الدمقرطة العربية - خلافًا لما وقع في أوروبا الشرقية - لن تكون بدعم الدول الغربية وإنما ضدها. لاحظ أنني قلت الدول ولم أقل المجتمعات المدنية الغربية التي كانت وستبقى فعلًا معنا؛ لأنها في خدمة القيم وليس المصالح، كما هو حال دولها، وأحسن دليل على ذلك الكم الهائل من المظاهرات في أوروبا وأميركا دعمًا للشعب الفلسطيني بعد العدوان الإسرائيلي الأخير.

 

من أهم حجج الاستبداد ومداخله لتدمير الديمقراطية أنها لا تهتم بقضية العدالة الاجتماعية (غيتي)

الآليات الثلاث الأساسية المختطفة التي يجب استعادتها بكل السبل

تؤكد كل التجارب العالمية أن المال السياسي قد اختطف أهم آليات الديمقراطية، وسخرها لخدمة الأرستقراطيات الخفية على حساب الصالح العام. هذا الاختطاف والتفويض هو السبب الرئيسي لنزيف الديمقراطية في كل مكان.

حرية الرأي التي تحولت إلى حرية التضليل الممنهج

لقد أصبح الدور المدمر الذي لعبه الإعلام الفاسد في تدمير التجارب الديمقراطية في العالم العربي أمرًا بديهيًا، حيث حرض إعلام مأجور الشعب على الديمقراطيين والديمقراطية، ومهد الطريق لعودة الاستبداد. لكن ما وقع في البلدين يشكل صورة كاريكاتورية لظاهرة عامة، وهي تحكم الإعلام المملوك لأقلية في عقول وقلوب الشعوب. هذا الإعلام، في فرنسا مثلًا، يقع في قبضة تسعة أشخاص فقط.

التحديات الجسام التي تواجه الديمقراطيين الشرفاء

ما هي القوانين الرادعة التي تمنع رجال الأعمال من تملك وسائل الإعلام؟ وما هي الآليات التي تكفل مراقبة وفضح التزوير والمزورين؟ وكيف لنا أن نشجع الإعلام الاستقصائي الهادف إلى فضح الإعلام الفاسد؟ وكيف نربي الأجيال الشابة لحمايتها من التضليل؟ وكيف نشجع ونحمي المبلغين عن الفساد؟

حرية التنظم التي أضحت ذريعة لإنشاء شركات سياسية وهمية

في أعقاب الثورة في تونس، ظهر من العدم نكرات أسسوا أحزابًا هشة تفتقر إلى المؤتمرات الديمقراطية والخبرة، ولا تجيد سوى تجييش الإعلام الفاسد واللعب على جهل وغرائز المواطنين، فاستحوذوا في انتخابات 2014 على مقاعد أكثر من الأحزاب التي ناضلت عقودًا ضد الاستبداد.

هذه الشركات السياسية، التي تسمى خطأ أحزابًا، هي المستفيد الأكبر من حرية التنظم المطلقة في ظل ديمقراطية عاجزة. وهل الوضع أفضل في البلدان العريقة في الديمقراطية، حيث تتلقى كل الأحزاب السياسية الدعم الخفي من المال الفاسد؟ بالطبع لا، كل ما في الأمر أننا أمام نفس الظاهرة، ولكن بحدة متفاوتة حسب البلدان؛ أي تبعية التنظم السياسي في الديمقراطية لقوى معادية للديمقراطية.

التحديات الماثلة أمام الديمقراطيين: كيف نمنع الشركات السياسية؟ وكيف نمنع الشركات التجارية من التحكم في الأحزاب؟ وما هي القوانين التي تنظم عمل الأحزاب الحقيقية؟ وكيف يكون تمويلها من المال العام حتى لا تسقط فريسة للمال الفاسد؟

حرية الانتخاب التي قادت إلى مهرجانات من المغامرة والمقامرة الطائشة

عندما نتأمل ما حدث مؤخرًا في بلد متقدم مثل الأرجنتين، الذي انتخب مهرجًا خطيرًا سيدفع ثمنًا باهظًا لمروره على السلطة، وقبله مجرم حق عام مثل دويرت في الفلبين، وقبلهما هتلر في ألمانيا... إلخ، وربما في نوفمبر المقبل شخص مثل ترامب، يتضح لنا كيف تحولت آلية الانتخاب من نعمة إلى نقمة؛ لأنها فقدت بوصلتها. لم نعد أمام آلية مهمتها اختيار الأكثر كفاءة ونزاهة للقيام بوظائف محددة تتطلب مهارات واضحة، سواء كان المنصب رئاسة بلدية أو رئاسة جمهورية.

بل نحن أمام مهرجانات مهمتها الأولى اللعب على نرجسية الناخب بإيهامه أنه صانع الملوك، ونرجسية المنتخب وكأن الانتخابات مسابقة جمال ملكة العالم يجوز أن يفوز فيها باللقب لجمال مظهره وكلامه ووعوده. أما الوظيفة الأساسية للانتخاب - أي اصطفاء الأكثر نزاهة وخبرة في إدارة الشأن العام - فأمر متروك لطاولة القمار.

تصور لو كانت الجامعات والشركات تختار مديريها العامين بمثل هذه التقنية. لكن الشيء غير القابل للتصور مقبول في السياسة، والحال إن إدارة دولة وحتى بلدية مدينة متوسطة أكثر صعوبة وتعقيدًا من إدارة أي جامعة وأي شركة.

التحديات أمام الديمقراطيين: كيف نحافظ على الانتخابات لكي نرفع من فاعليتها؟ وما هي الشروط التي يجب أن توضع على كل ترشح لأي وظيفة سياسية؟ وما هي الضمانات ضد المغامرين والمجانين والشعبويين؟

حتى كل الإجراءات والإصلاحات - التي يجب ألا تتوقف نتيجة تأقلم المال الفاسد - غير كافية، إذ يجب الذهاب إلى ما هو أعمق.

الأسس الثلاثة الراسخة التي يجب إعادة البناء عليها

أولًا: الديمقراطية جزء لا يتجزأ من منظومة متكاملة لا تنفصم فيها عرى الحرية والعدالة الاجتماعية

من أهم حجج الاستبداد ومداخله لتدمير الديمقراطية أنها لا تهتم بقضية العدالة الاجتماعية. صحيح أن أولوية الديمقراطية في شكلها الليبرالي الغربي الحرية وليست العدالة الاجتماعية؛ لأن النظام صيغ على مقاس الطبقة الوسطى ومصالحها. لكن الديمقراطية ليست فقط جزءًا من الأيديولوجيا الليبرالية. هي أيضًا جزء من أيديولوجيا حقوق الإنسان، وفي هذه الأيديولوجيا جملة الحقوق السياسية المنصوص عليها في الفصول: 19 و20 و21 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

والذي يجب ألا ننساه أبدًا أن لهذا الإعلان فصولًا عديدة من الفصل 22 إلى الفصل 27 تهم كلها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأنه لا أفضلية فيه لنوع على آخر، والحقوق كلها متكاملة ولا توجد إلا ببعضها بعضًا. أي فائدة من الحرية في غياب العدل وأي عدل في غياب الحرية؟ معنى هذا أنه ليكون لنا ديمقراطية مستدامة يجب تأسيسها على قاعدة الإعلان العالمي، وليس على قاعدة تفكير الليبرالية الغربية خاصة المتوحشة منها.

ثانيًا: منظومة القيم النبيلة هي الركيزة الأساسية للنظام الديمقراطي، وليست إرادة الشعب المزعومة

الشعب يُكذب عليه عندما يدعي مستبد شعبوي أنه يتكلم باسمه، ويُكذب عليه عندما تدعي أغلبية انتخابية عابرة الكلام باسمه. الواقع أنه لا قدرة لأحد للحديث باسم الشعب، والشعب نفسه ليست له إرادة واحدة، وإنما إرادات متنافرة تعكس تضارب المصالح والأفكار داخل المجتمع. أضف إلى هذا أنه حتى ولو عبرت أغلبية مطلقة لسكان بلد عن إرادة احتلال أرض شعب آخر، لما كان لهذه الإرادة أي قدسية أو قيمة؛ لأنها تتعارض مع القيم الإنسانية. مما يعني أنه يجب إعادة تأسيس شرعية النظام الديمقراطي لا على إرادة مزعومة متغيرة ناقصة، وإنما على ثوابت تضمن مصلحة الجميع، وهذه الثوابت هي القيم الخاصة بمجتمع ما، والقيم المشتركة بين كل المجتمعات، كما وثقها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ثالثًا: لا وجود للشعب المقدس أو المدنس إلا في أوهام المخدوعين أو المخادعين

الموجود سياسيًا هم من يقبلون التعددية الفكرية والسياسية والدينية والإثنية في المجتمع، ويقبلون بحل الصراعات سلميًا، ولا يرضون إلا بحكم القانون والمؤسسات، ولا يتخلون عن حقوقهم مهما كان القمع، ويضطلعون بواجباتهم دون أي إكراه. هؤلاء الناس هم الذين أسميهم شعب المواطنين، وهم أقلية في كل المجتمعات.

في المقابل، هناك أغلبية أسميها شعب الرعايا، وهم من يبحثون عن المستبد العادل، ويتخلون عن حقوقهم إذا واجهوا أي خطر، ولا يضطلعون بواجباتهم إلا بالقوة. دور الديمقراطية - بالتعليم والإعلام والقدوة والقوانين والمحفزات المعنوية والعدالة الاجتماعية - هو توسيع رقعة شعب المواطنين وتقليص رقعة شعب الرعايا، وإلا فإن بقاءها لا يطول. إبان هذه المعركة الدائمة، دور الديمقراطيين ليس أن يتشكلوا كنخبة مهمتها قيادة الرعايا، وإنما كرواد يفتحون الطريق لشعب، نخبة أغلبيته الساحقة مواطنون لا رعايا.

الأوهام الثلاثة الزائفة التي يجب نسيانها وتجاوزها

أولًا: وهم القضاء التام على مخلفات الدكتاتورية بتحقق الديمقراطية

ما تظهره التجربة الغربية أن أيديولوجيا الدكتاتورية وعاداتها لا تختفي من أي ديمقراطية مهما كانت متقدمة وراسخة، وإنما هي تنسحب وراء الستار؛ لأن الأرستقراطيات المخفية التي تحمل هذه الأيديولوجيا جزء ثابت من المجتمعات البشرية. لذلك هي لا تختفي وإنما تتأقلم، وتواصل أساسًا عبر المال الفاسد تحكمَها الكلي أو الجزئي في الحياة السياسية.

ثانيًا: الاعتقاد بأن الديمقراطية مكسب أبدي للمجتمعات التي حققتها

في أحسن الأحوال، هي مثل الصحة التي يتمتع بها الإنسان وهو في أوج قواه، ولكن مثل هذه الصحة، لا بد لها من عوامل التعهد والحماية والوقاية من الأمراض، وإلا فنهايتها مسألة وقت. ومما يعجل في النهاية وهن الآليات وضعف الروح القيمية وشراسة الأرستقراطيات المخفية... وأحيانًا سوء الحظ إذا تزامن كل هذا مع أزمات كبرى مثل: الأوبئة، والحروب أو التغيرات المناخية، وهي الظروف التي تسود فيها عقلية الغاب وشرعية القوة، ولا مجال فيها إلا لموجة استبدادية عارمة.

ثالثًا: وهم الديمقراطية كنهاية للتاريخ ومصير محتوم لكل الأمم

لا يوجد طريق واحد تسير عليه كل الشعوب حتى ولو بسرعة مختلفة. هناك شعوب لن تعرف أبدًا الديمقراطية، وشعوب ستجربها في مرحلة تاريخية لتضيعها ولو بعد قرون، وأخرى ستعيد لها ألقها وتحملها إلى أعلى وأبعد مستوياتها. ذلك لأن الديمقراطية هي مؤشر على تقدم هذا الشعب أو ذاك، وخاصة على ما بذل من جهد وقدم من تضحيات للتمتع بها أطول وقت ممكن.

الخلاصة: بعد إفشال ثورات الربيع العربي وعودة الاستبداد بقوة، فمن الممكن أن زمن التيه سيتواصل، وأننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة من الاستبداد إلى الفوضى، ومن الفوضى إلى الاستبداد.

لكن ثمة طريق ثالث هو الذي يجب أن نسلكه، وأن نصب أعيننا ثلاثة أهداف:

  • بناء دولة القانون والمؤسسات على أنقاض دولة الفرد والعصابات.
  • خلق شعب من المواطنين على أنقاض شعب الرعايا.
  • بناء اتحاد الشعوب العربية الحرة على أنقاض الممالك الديكتاتورية.

هذه الثلاثية وحدها قادرة على أن تعيد هذه الأمة المنكوبة إلى ساحة التاريخ لتكون من صانعيه لا من ضحاياه. نكون أو لا نكون.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة